بحث في المدونة ..

السبت، 5 مارس 2016

الدكتور / عبدالرزاق السنهوري باشا .. في سطور.

لمن لم يعرف رجلاً عظيماً ..
ولد السنهوري بمدينة الإسكندرية بتاريخ 11/8/1895م في أسرة فقيرة , وكان والده موظف صغير بمجلس بلدي الإسكندرية , وتفى والده وهو في السادسة من عمره تاركاً أمه وسبعة من البنين والبنات .
          وبدأ تعليمه في الكتاب ثم إنتقل إلي مدرسة راتب باشا الإبتدائية بعد وفاة والده ثم مدرسة رأس التين الثانوية فـالمدرسة العباسية الثانوية حتى حصل علي شهادة الثانوية العامة سنة 1913م , وكان متفوقاً طوال سنوات دراسته حيث جاء ترتيبه الثاني علي جميع طلاب القطر المصري.
          ثم إلتحق بمدرسة الحقوق الخديوية بالقاهرة , حيث كانت الدراسة فيها باللغة الإنجليزية , وكان يعمل بجانب الدراسة موظفاً بمراقبة الحسابات في وزارة المالية , إلى أن تخرج في مدرسة الحقوق ونال درجة الليسانس سنة 1917م , وكان ترتيبه الأول علي جميع الطلاب.
          وفي نفس العام الذي نال فيه الليسانس سنة 1917م عين في سلك القضاء بالنيابة العامة في مدينة المنصورة , وفي أثناء عمله بالنيابة العامة , تفجرت أحداث ثورة 1919م , فلم تمنعه حساسية الوظيفة القضائية من الإنخراط في مواكب الثورة , فكان من الدعاة إلي إضراب الموظفين , بل وتزعم هذا الإضراب , مع أن وظيفته كانت التحقيق مع الموظفين المضربين , وإيداعهم السجون ! ..
          حيث كتب في هذه الظروف " أريد أن يفهم كل شاب أنه يحمل بعضاً من المسئولية في سقوط أمته إن سقطت , ولا يكتفي بالتأفف والتحسر , فعلي هذا الشعور بالواجب يتوقف قسط كبير من الأمل في التقدم .."
          ولذلك عاقبته السلطة الإستعمارية بالنقل من مدينة المنصورة إلي مدينة أسيوط بصعيد مصر , فإنتقلت معه وطنيته وثوريته إلي هناك .
          وفي سنة 1920م رقي السنهوري من مساعد نيابة إلي وكيل للنائب العام , وفي ذات العام إنتقل من العمل بالنيابة إلي تدريس القانون في مدرسة القضاء الشرعي .
          وبعد عام دراسي في مدرسة القضاء الشرعي .. سافر السنهوري إلي فرنسا في بعثة علمية لدراسة القانون قاصداً جامعة ليون في 12/8/1921م , أي في السادسة والعشرين من عمره , وفي السنوات الخمس التي قضاها السنهوري في فرنسا , تبحر في القانون الغربي , أصوله الرومانية , وتقنياته الحديثة , ثم قضى في لندن شهراً ونصف الشهر يجمع مراجع رسالته للدكتوراه " القيود التعاقدية علي حرية العمل في القضاء الإنجليزي " , ونال عنها جائزة أحسن رسائل الدكتوراه من جامعة ليون , كما إنجز رسالة دكتوراه أخرى في العلوم السياسية والإقتصادية تطوع بها دون تكليف " فقه الخلافة وتطورها لتصبح هيئة أمم شرقية " , وأنجز أيضاً دبلوماً من معهد القانون الدولي بجامعة باريس.
          حيث كتب عنه أستاذه بجامعة ليون (لامبير) " لقد وجدت ضالتي المنشودة أخيراً علي يد السنهوري , وهو من أنبغ تلاميذي الذين درست لهم خلال حياتي العملية كأستاذ , إنه تلميذ قد أثبت فعلاً أنه جدير بأن يكون أستاذاً .. " , كما كتب عنه أيضاً الخبير الشهير (جورج كورنيل) في مجلة جامعة بروكسل " إنه من أحسن ركائز مجموعة معهد القانون المقارن في جامعة ليون ".
          ثم عاد السنهوري من فرنسا إلي وطنه مصر في منتصف عام 1926م , وعين مدرساً للقانون في كلية الحقوق بالجامعة المصرية – جامعة فؤاد الأول – القاهرة الآن – وعهد إليه التدريس لمادة القانون المدني.
          وبعد عام من عودته إلي مصر عقد قرانه في 5/5/1927م , وسافر في رحلة إلي أوربا دامت ثمانين يوماً .
          ومنذ ذلك التاريخ بدأ السنهوري مرحلة التأليف للكتب , والتربية للشباب والرجال .. لا بالتدريس والفكر وحدهما وإنما أيضاً بالمواقف ونماذج القدوة والسلوك , وبدأ التأليف في المدخل لدراسة القانون , عقد الإيجار , ونظرية العقد , كما بدأ التربية لطلابه علي خلق الرجولة فقال لهم " نصيحتي إلي الطلبة هي أن يتمسكوا بالرجولة , والمعنى الذي أقصده من الرجولة هنا هو أن تكون شجاعتهم مستمدة من نفوسهم , لا من الملابسات الخارجية , وإذا كنت أنصحهم بعدم الخنوع عند وقوع الظلم , فإني لا أكون أقل نصحاً لهم بعدم التمرد عند إطلاق الحرية , فالخنوع للظلم والتمرد علي الحرية هما علي قدر واحد من الدلالة علي الضعف النفسي , فليطهروا أنفسهم من ضعف الخنوع ومن ضعف التمرد , حتى يكونوا رجالاُ يدخورن في أنفسهم قوة ذاتية تكون عدتهم في التغلب علي الصعاب ..".
          وفي سنة 1934م في عهد حكومة عبدالفتاح يحيى باشاً , كون السنهوري "جمعية الشبان المصريين" فعدتها الحكومة تنظيماً شبابياً وفدياً يقوده السنهوري بسبب علاقة السنهوري بالنقاراشي , ففصلت الحكومة السنهوري من الجامعة .
          فسافر الدكتور السنهوري إلي بغداد علي إثر دعوة من الحكومة العراقية وأمضى فيها عاماً دراسياً 1935م/1936م , إضطر بعده إلي العودة للقاهرة بسبب مرض والدته ووفاتها , ولكنه أنجز في هذا العام إنجازات عظيمة .. فلقد أنشأ كلية الحقوق ببغداد , وتولى عمادتها , وأصدر مجلة القضاء العراقية وأسهم في تجريرها , وبدأ في وضع القانون المدني العراقي لكن عودته إلي مصر حالت دون إكماله , لكنه رسم خطة وضع هذا القانون المدني الذي إستكمله فيما بعد عام 1943م , ولدى عودته إلي القاهرة عام 1936م إصطحب معه العشرة الأوائل من أبناء كلية الحقوق ببغداد , وألحقهم بكلية الحقوق بالقاهرة , فكانوا نواة الأساتذة العراقيين الذين إضطلعوا بتدريس القانون هناك فيما بعد.
          وفي عام 1937م عين السنهوري عميداً لكلية الحقوق , ورأس وفد مصر إلي المؤتمر الدولي للقانون المقارن بلاهاي .
          إلا أنه ضغطت عليه الحكومة في أواخر 1937م ليترك الجامعة , فترك الجامعة إلي القضاء , فأصبح قاضياً بالمحمة المختلظة بالمنصورة حتى سنة 1939م ثم وكيلاً لوزارة العدل , فمستشار مساعد بقلم قضاياً الحكومة , ثم وكيلاً لوزارة المعارف العمومية , حتى أتى عام 1942م عندما أتى الوفد إلى الحكم فأبعد  السنهوري من وزارة المعارف .
          وفي ذات العام 1942م , عمل السنهوري بالمحاماه , وتقدم بمذكرة إلي محكمة النقض في إحدى القضايا , أعتبرت من أهم الدراسات الفذة عن "وصية غير المسلم , وخضوعها للشريعة الإسلامية ".
          وكذلك في عام 1942م أسند وزير العدل أحمد خشبة باشا , بناءً علي قرار مجلس الوزراء , أمر وضع مشروع القانون المدني الجديد إلي السنهوري ومعه أستاذه الفرنسي إدوار لامبير , الذي وضع الباب التمهيدي , فأنجز السنهوري المشروع , وعرض لإستفتاء رجال القانون سنة 1942م لمدة ثلاث سنوات , وفي سنة 1945م شكلت لجنة برئاسة السنهوري , وعضوية سليمان حافظ , وكامل مرسي , ومصطفى الشوربجي , وعلي أيوب , لمراجعة المشروع وقدمته إلي البرلمان , وتابعه السنهوري في البرلمان حتى أقره النواب , الذين أشادوا بالمشروع وواضعه , بإعتباره أهم تشريع مصري وضعه المصريون أنفسهم , وصدر القانون المدني المصري الذى وضعه السنهوري في عام 1948م , ونفذ من تاريخ إلغاء المحاكم المختلطة والإمتيازات الأجنبية في أكتوبر سنة 1949م.
          وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة المصرية عرضت علي السنهوري مكافأة كبيرة نظير وضع القانون المدني , ورغم أنه كان في حاجة إليها , إعتذر عن عدم قبولها .. معتبراً جهوده وجهاده في وضع هذا القانون جزءاً من الرسالة لا من الوظيفة التي يتقاضى عنها الأموال.
          وحيث عاد السنهوري ثانية إلي العراق في أغسطس سنة 1943م , فإستكمل وضع القانون المدني العراقي ومكث بها حتى طلبت حكومة النحاس من الحكومة العراقية طرد السنهوري من بغداد , فرفضت الحكومة العراقية , وحدثت أزمة بين الحكومتين , تدخل لحلها رئيس وزراء سوريا / سعدالله الجابري عارضاً علي الحكومة المصرية إستضافة الدكتور السنهوري كحل وسط , وبالفعل إنتقل إلي دمشق في نوفمبر سنة 1943م , حيث وضع القانون المدني السوري .
وفي دمشق بتاريخ 10/2/1944م وضع السنهوري مخططاً لإنشاء إتحاد عربي قبل قيام جامعة الدول العربية , كما وضع برنامجاً لحزب إشتراكي ديمقراطي , ومخططات لنهضات صناعية ومصرفية وعلمية.
          ولكن تهديد الحكومة المصرية المستمر للعراق وسوريا بمنع الأساتذة المصريين من السفر إليهما , إضطر السنهوري إلي العودة إلي مصر في يوليو 1944م.
          وبعد زوال حكومة الوفد , أصبح السنهوري وزيراً للمعارف عام 1945م بعد إغتيال أحمد ماهر باشا , حتى تركها عام 1946م , كما عين في ذات العام عضواً بمجمع اللغة العربية , ورأس وفد مصر إلي مؤتمر فلسطين بلندن , وفي عام 1947م ذهب السنهوري ضمن الوفد المصري لعرض القضية المصرية علي مجلس الأمن الدولي واضعاً خبراته القانونية في خدمة المنطق الوطني الذي يصارع هيمنة دعاوى الإستعمارية والإحتلال  , وعاد إلي الوزارة , حيث عمل علي إقامة جامعتين جديدتين هما جامعة فاروق –الإسكندرية الآن – وجامعة محمد علي , بعدما لم يكن في مصر غير جامعة واحدة , حتى عام 1949م .
حيث إنتقل السنهوري إلى رئاسة مجلس الدولة , فأصبح حصن الأمة وملاذ حريتها في سنوات الأزمة والغليان والتحولات , فإستصدر القانون رقم 9 لسنة 1949م بتعديل قانون مجلس الدولة , وأنشأ نظام المفوضين في القضاء الإداري والمكتب الفني و أنشأ أيضاً مجلة مجلس الدولة , فكأنما أعاد إنشاء مجلس الدولة إنشاءً جديداً .
كما أصدر السنهوري حكماً تاريخياً سنة 1951م , إنتصاراً للحرية , بألغاء قرار مجلس الوزراء بإلغاء صحيفة مصر الفتاة , مما هز الحياة السياسية في مصر حين إذ.
فقامت الحكومة بمطالبته بالتنحي عن منصبه , إلا أن الجمعية العمومية لمجلس الدولة أصدرت قراراً بأن مطالبة رئيس المجلس بالتنحي عن منصبه تنطوي علي مخالفة صريحة للقانون وإعتداء علي المجلس .. , ولقد كتبت إحدة الصحف الإنجليزية تقول " ليت في بريطانيا قضاة مثل هذا الرجل ".
          كما أنشأ السنهوري معهد الدرسات العربية العليا , في إطار جامعة الدول العربية سنة 1952م , أنشأ فيه قسم الدراسات القانونية الذي رأسه حتى أواخر سنة 1959م .
          ولما أنه إنحاز السنهوري إلي طريق الدستور والقانون والديمقراطية والرأي العام ,, وإنجاز عبدالناصر إلي الثورة بأي طريق .. فكان الفصام النكد بين السنهوري وعبدالناصر في أزمة مارس سنة 1954م , عندما سيرت هيئة التحرير – التنظيم السياسي للثورة – والبوليس الحربي والمباحث العسكرية مظاهرات من الدهماء والغوغاء المأجورين , يقودها عدد من الضباط , فإقتحمت مجلس الدولة وإعتدت علي السنهوري في 29/3/1954م إعتداءً همجياً ووحشياً كاد أن يودي بحياته , وطرد السنهوري بعدها من مجلس الدولة , وطردت الحكومة عام 1955م ثمانية عشر مستشاراً ممن كان يعملون مع السنهوري .
          وإعتزل السنهوري الحياة العامة , ومنعته الحكومة من السفر إلي الخارج , إلا الإستجابة لطلب أمير الكويت سنة 1960م الشيخ عبدالله الصباح , فذه السنهوري إلي الكويت , ووضع دستورها والمقومات القانونية التي تؤهلها لعضوية الأمم المتحدة.
          وإقتصرت الحياة العامة للسنهوري منذ ذلك التاريخ , وحتى وفاته عام 1971م , أي لثمانية عشر عاماً علي ندوة في منزله , مساء كل أربعاء , يستقبل فيها عدداً من الأصدقاء والخلصاء .
(( المرجع .. كتاب الدكتور عبدالرزاق السنهوري – إسلامية الدولة والمدنية والقانون – تأليف الدكتور/ محمد عمارة – الطبعة الأولى – عام 2009م – نشر دار السلام ))
إسلام محمد رضوان
في 5/3/2016م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لا تكن سلبي تقرأ وترحل.
كن إيجابي وشارك برأيك.

الأكثر مشاهدة ..